|
يصادف اليوم 30 من أغسطس، اليوم الدولي للاختفاء القسري، الذي تحييه الأمم المتحدة كل عام، لتسليط الضوء على معاناة الضحايا وأقاربهم، وممارسة الضغوط على الجهات المتهمة بممارسة هذا السلوك الخارج عن القانون، وكذلك محاولة إيجاد وسائل لمساعدة الضحايا وأسرهم.
يعد الاختفاء القسري من أكثر الحالات التي تمثل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان ويشكل جريمة دولية، فالشخص الذي يتعرض للاختفاء القسري يصبح محروماً من كافة حقوقه، ويبقى دون أن يدافع عنه أحد على الإطلاق، ويكون في أيدي معذبيه خارج نطاق حماية القانون، فحالة الاختفاء القسري في حد ذاتها تعد إنكارا لما يتمتع به الشخص من كرامة ووجوده، بل وتجرده من صفته الإنسانية.
تتسبب ممارسة الاختفاء القسري، معاناة قاسية عديدة لأقارب وأصدقاء الشخص الذي تعرض للاختفاء، فالانتظار الذي لا نهاية له لعودة الشخص المختفي، والغموض المستمر الذي يكتنف مصيره، وغموض المكان الذي يتواجد فيه الشخص المختفي، يمثل شكلا من أشكال العذاب المتواصل، لأمهات وآباء وزوجات وأبناء وبنات وإخوة وأخوات الشخص المتعرض لحالة الاختفاء القسري ولجميع أقاربه ومجتمعه.
ويعد جزء لا يتجزأ من الطرق والأساليب الاستراتيجية التي تهدف لنشر الخوف في المجتمع، فالشعور بعدم الأمان الذي تولده هذه الممارسة، لا يقتصر على الأقارب المقربين للشخص الذي تعرض للاختفاء فحسب، بل يمتد ليصل إلى مجتمعات هذا الشخص الذين تعرض للاختفاء والمجتمع ككل.
إن إفلات الجناة من العقاب، يعتبر من العوامل الرئيسية في التشجيع على وجود هذه الممارسة وهذه الجريمة البشعة، ولمكافحة حالات الاختفاء القسري واستئصالها، كان لابد من وجود اتفاقية دولية تضمن حقوق الضحايا وتكون رادعاً للجناة، بالإضافة إلى تعبئة كل البشر ضد هذه الكارثة.
وفقا للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 ديسمبر 1992 بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول، وطبقاً للمادة الثانية من الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، فإنه يحدث عند "القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون".
وقد تبنت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة عام 2006، اتفاقية دولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، وهي الاتفاقية التي وقع عليها 93 دولة، وصدق عليها 50، ودخلت حيز التنفيذ عام 2010.
جماعة الحوثي الانقلابية منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، وبعد أن استولت على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بقوة السلاح، تمارس هذه الجريمة بشكل متواصل بحق المدنيين السياسيين والأبرياء، والتي تعد انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان، والحقوق المدنية أو السياسية مثل حق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية، والحرية والأمن على شخصه، وعدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وأيضاً الحق في الحياة، في الحالات التي يقتل في الشخص المختفي، والحق في الهوية، وكذلك الحق في محاكمة عادلة وفي الضمانات القضائية، والحق في سبيل انتصاف فعال، بما في ذلك الجبر والتعويض، الحق في معرفة الحقيقة فيما يخص ظروف الاختفاء.
كما ينتهك الاختفاء القسري أيضا بصفة عامة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للضحايا وأسرهم على حد سواء كالحق في توفير الحماية والمساعدة للأسرة، الحق في مستوى معيشي مناسب، الحق في الصحة، الحق في التعليم.
تشكّل الممارسة الممنهجة للاختفاء القسري، جريمة ضد الإنسانية بحسب القوانين والاتفاقيات الدولية ونظام روما الأساسي والقواعد العرفية، كونه جرماً خطيراً وبغيضاً ضد الكرامة المتأصلة في الجنس البشري، وينتهك العديد من حقوق الإنسان الأساسية، والتي لا يمكن المساس بها.
تزداد معاناة الأسر جراء العواقب المادية للاختفاء القسري، إذ أن الشخص المختفي قسريا غالبا ما يكون العائل الرئيس للأسرة. وتتكبد أسر الضحايا، بالإضافة إلى المعانة النفسية، أعباء مالية إضافية إذا قررت البحث عن فردها المختفي، وتضطر المرأة في كثير من الأحيان البحث عن مصدر رزق للأسرة في غياب العائل المختفي والمختطف، وقد يلجأ الأطفال إلى ترك مقاعد الدراسة والبحث عن عمل لسد حاجة أسرته التي غاب وأخفي عائلها.
يحتاج جميع ضحايا الاختفاء القسري الذين تم الكشف عن مصيرهم إلى عون طبي، سواء على مستوى تسجيل أي إصابات جسدية أو أضرار صحية تعرضوا لها خلال فترة اختفائهم قسريا، من أجل تقديم المساعدة الطبية اللازمة، وكذلك لأغراض إثبات الادعاء الجنائي أو المطالبة المدنية ضد المسؤولين.
كذلك، يحتاج الضحايا وأسرهم، إلى دعم نفسي لمساعدتهم على تخطي الآثار النفسية السلبية، الناتجة عن الاحتجاز القسري وتعويضهم، والكشف عن مرتكبي هذه الجرائم حتى يقدموا للمساءلة القانونية وينالوا جزاءهم الرادع.
ما يزال العشرات مخفيين قسراً في السجون وفي أماكن مجهولة، ويعانون أصناف العذاب هم وأقاربهم، ويتم ابتزازهم بدفع مبالغ مالية كبيرة فقط للكشف عن مصير الضحايا، وتتكرر هذه الوعود دون جدوى لجني المزيد من الأموال، بل إن الكثير من المشرفين والقيادات الحوثية يتخذ من هذه الانتهاكات والجرائم وسيلة للتكسب وجمع الأموال، دون النظر إلى الحالة الاقتصادية والظروف الاجتماعية التي تمر بها تلك الأسر والعائلات، في وضع اقتصادي صعب وانقطاع المرتبات لخمس سنوات، وهي دعوة للجهات الحقوقية والمنظمات الدولية والصليب الأحمر، وكافة الهيئات الحقوقية، إلى الوقوف بجد أمام هذه الجريمة التي تؤرق المجتمع بشكل عام.
في الإثنين 30 أغسطس-آب 2021 05:58:38 م