سلام عليك يا هشام..
نبيل البكيري
نبيل البكيري

نمت يومها متأخرا في حدود الساعة الثالثة فجرا، وأنا في حالة قلق لا أدري ما مصدره، وما إن طرحت رأسي فإذا باتصال على غير العادة في ساعة متأخرة قادم من اليمن، ومن فهيم أخي والفندم حامد البكيري، يخبرني أن هشام البكيري، أصيب إصابة طفيفة ليلتها في إحدى المعارك، وأنه في المستشفى إلى جانبه، وإن شاء الله ستكون الإصابة بسيطة، لكنه نسي أن وقت المكالمة ونبرات صوته كانت تخبرني أن هشام الذي يحاول إخفاء استشهاده عني تقول عكس ما يريد قوله تماما.

هذا ثاني رمضان يا هشام لم تصلني رسائلك واتصالاتك المعتادة مهنئا بالشهر الكريم، الذي كان له طعم ولون آخر بوجودك، الذي كان يضفي عليه رونقا أكثر بهاء وجمالا.

في مثل هذه اليوم، سقط الشهيد البطل، القائد هشام عبدالملك البكيري، شهيدا دفاعاٌ عن آخر ما تبقى من كرامة اليمنيين، هشام الذي كلما تذكرته وجال طيفه في خاطري، تذكرت في هيئته وصورته وسلوكه وقصته وبطولته وشجاعته ونبله وعظمته كل الشهداء الذين سقطوا على نفس الدرب في سبيل حرية اليمن وكرامة اليمنيين، في سبيل الله الذي أراد بالاستشهاد إقامة الحجة على عظمة الشهادة والشهداء الأبطال وعظمة قضيتهم وعدالتها.

عام كاملُ مر علي وكأنه يوم أو بعض يوم يا هشام، لكنه عام طويل من الحزن والفقد والغياب الثقيل الذي أثقل كاهلي وكاهل الأسرة والبلاد وكل الذين يعرفون هشاما عن قرب حق المعرفة، هشام الذي لم يغب طيفه عن خيالي ساعة واحدة، وكلما تذكرته كلما زاد آلم الفقد وأوجاع الغياب المر لرجل كان يقوم مقام الجميع وتقضى به حاجات الجميع، رجل كهشام لم يكسل يوما ولم يتردد مطلقا عن القول والفعل معا.

آهاً يا هشام، أصدقك القول إنني حتى الآن لا أزال أغالط نفسي وأتعاطى معها بعلاج نفسي فيه قدر كبير من السذاجة، بالقول إنني سأظل أتعامل معك ميتا كما كنت أتعامل معك حيا، بأن أكل لك القيام بكل ما كنت تقوم به، أنام وأنا أدرك أنك هناك لا تزال متحمل كامل المسؤولية الخاصة والعامة التي كنت تقوم بها بديلا عنا جميعا.

أدرك أنها نوع من الحيل الساذجة، ولكنني مضطرا للتعايش معها، حتى أتيقن جيدا أنك لم تعد هناك، وأن الذي يقوم بكل ما كنت تقوم به هي روحك العظيمة المحلقة في السماء، تلك الروح العظيمة التي تسامت حد السماء، الروح التي تجردت تماما من كل أدران وعوائق الارتقاء الكبير الذي كنت فيه يا هشام.

اليوم فقط يا هشام، أغبط يا أخي غيابك، أغبط استشهادك، أغبط هذه الخاتمة المشرفة والعظيمة التي ختمت بها نضالك ودربك ككل الأبطال الكبار، هذه الخاتمة التي طهرت بها ذاتك العظيمة التي لا يشبهها سواك، نعم اليوم فقط بعد عام تماما، أدركت لماذا رحلت هكذا، كنت تدرك جيدا أن النضال وحده قد يحسم الأمر، كنت تدرك أن الذين في القيادة ليسوا قادة ولا مناضلين، كنت تدرك أن هذه الأسماء والألقاب مجرد دمى كرتونية، كنت تقولها ولا تخف، كنتُ أشفق عليك يا أخي من كل ما كنت تتحمله من مسؤوليات بصبر وثبات وصمت.

لا أدري ما أقول لك يا أخي يا هشام، فقد جرت مياه كثيرة بعد غيابك، ورحل بعدك الكثير الكثير من الأبطال وعلى نفس الدرب والعهد، أبطال يغبط الأحياء استشهادهم، هؤلاء الأبطال الذين سيقف على استشهادهم مستقبل هذه البلاد ومستقبل المنطقة كلها وحريتها وكرامتها، صحيح أن الكثير من سراق التضحيات يحومون حول تضحياتكم، لكنه التاريخ وعدالة السماء يا أخي أثق أنها لن تخذل تضحياتكم مهما فعل الانتهازيون أو حاولوا.

أبشرك يا أخي، أن مجد هشام، كمحمد أخيه الذي تركته صغيرا، يكبران كل يوم، وكل يوم يدركان أنهما يحملان من الفخر والإباء الكثير ذلك الفخر الذي صنعته بدمك والإباء الذي يتدفق في دمائهم الحارة، التي كانت تجري في عروقك ذات يوم، تلك الدماء التي سالت وتدفقت في سبيل اليمن وكل اليمنيين.

سلام عليك يا هشام في الشهداء والصديقين، سلام عليك وعلى كل الشهداء السلام، واللعنة والخزي والعار والصغار لأولئك الصغار الذين قد يفرطون أو يتوهمون أنهم سيتجاوزون تضحياتكم العظيمة.

لأرواحكم الخلود ولذكراكم المجد أيها الشهداء الأبطال، وقسما لن ينال من تضحياتكم دخيل أو يبيع المكاسب العملاء.


في الأحد 03 إبريل-نيسان 2022 02:39:16 ص

تجد هذا المقال في سهيل نت
https://suhail.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://suhail.net/articles.php?id=886