|
في كل ذكرى استشهادك أخي "محمد حسين عشال"، كم أحس بوجع الطعنة وفاجعة الرحيل.
لم أعد أقوى على الكتابة كي أبث أحزاني وتباريح روحي، لقد جفت أقلامي وتخثرت العبارات والجُمل واستعصت أن تسيل في محبرتي لتمدني بجديد اكتبه في ذكرى رحيلك.
ليست ذكراك أيها الحبيب بل ذكراي فلم تعد كل أيامي سوى ذكراك، أنت الذي لم تزل تشرق كالحلم وتضيء كالمشكاة، وأنا الذي رحلت كل أشواقي وأحلامي مع رحيلك.
وهاهي ذي الطعنة السابعة يا محمد.. طعنة غادرة لازالت تسرق روحي بالتقسيط منذ سُفك دمك، دم البلاد التي قدموها قربانا لقبحهم وأطماعهم السوداء، أطماع الحاقدين والغرباء.
عند كل ذكرى لاستشهادك، أبحث عني.. لقد رحلتُ معك يا أخي وصديقي وأبي.
بقيتُ جثة تتناوشها سكاكين الفقدان والوجع، كما جثة البلاد التي تنغرز في لحمها أحقاد وضغائن العابرين وأطماع الطارئين.
يوم خطف القتلة روحك، اهتزت سمائي وسقط نجمي الذي أهتدي به، وابتدأت رحلة المتاهة في عالم لم يعد يمنحني سوى مزيداً من الألم والمتاعب.
اعرفُ أنك بخير، وأنك بين يدي عظيم يعتني بأمثالك من الشهداء الأبرار والصالحين الأخيار، لكننا لسنا بخير، كأن الأيام وهي تمضي بي إليك تمضي بالبلاد إلى المجهول.
سأقول لك شيئا: ها نحن في العام الثامن للحرب التي أوقدها القتلة العنصريون وقطاع الطرق.
لا شيء يحدث في العالم يشبهنا، الذين قتلوك بالقذائف وأنت مرابط في منزلك، لازالوا يحرقون المدن المكتظة بالناس بالصواريخ الباليستية.
قبل أيام فقط ظلوا يمانعون في فتح الحصار عن مدينة تعز.. تعز مدينتك التي تحبها واستشهدت فيها ويرقد في رحابها جسدك الطاهر وكأنهم لم يكتفوا بسفك دمك ودمها، بل يصرون على حصاركما.
في كل بيت يمني مناحة ودم، وفي كل منعطف مذبحة وذكرى فاجعة، لقد أهلكوا الحرث والنسل، بينما يزداد ضياعنا بلا بوصلة.
لقد جلبوا لنا كل أطماع وحقارات العالم، والذين سهلوا لهم أمر هذا الانقلاب وإشعال هذه المذبحة الكبيرة منذ 8 سنوات، هاهم يشيعون الخراب في كل زاوية، ويفخخون البلاد ويطلقون العنان لأطماعهم.
حتى من أسلمنا أمرنا إليهم يا محمد، لم نعد ندري ما الذي يريدوه منا، اجتهاداتهم تصيبنا في مقتل وتدابيرهم لا تفضي إلا إلى كل ضعف، في كل مرحلة يبرمون أمراً ثم لا يلبثوا أن يتركوه نهباً لكل عابث، أمور تقضى بغير بصيرة ولا تقود إلى سواء السبيل.
وكل نُخَبنا أعجز من أن تقول كلمة أو تصحح وضع، ومشاريع التفكيك التي كنت تخشاها أطلت بقرونها وأصبحت إرهاصاتها بادية للعيان.
ما من صديق لهذه البلاد يا محمد، وقد توقفت العقول عن التفكير والإرادة عن الفعل، وبلغنا سدرة التيه، بينما الأبطال هناك في ساحات الذود عن ما تبقى من كرامة، يجودون بأرواحهم.
لاشك أنك تلتقي بالقادمين إليك، فلا يقدم إليك منهم سوى أمثالك طهرا ونبلا.
سقط في هذه المعركة، قادة عظام أفذاذ بعدك أخي الحبيب من أولئك الذين تسجل صفحاتهم في التاريخ، وسقط جنود لو شق بهم البحر لحرثوه بدمائهم.
يفعلون ذلك وسط ظروف توفرت على كل عوامل الإحباط والتآمر والتراخي والتآكل، لكنهم يصنعون النصر بأرواحهم وعزائمهم التي لا تعرف المستحيل.
كلما لاحت ذكرى رحيلك الدامي، تلوح أمامي روحك وأنت تحدق فينا باعثاً الأمل وسط العواصف ومحتشداً بالحب في قلب الضغائن.
مثلك لا يمت يا محمد.
لقد علمتنا أن التضحية من أجل الوطن بلا سقف، وأن نحارب حتى الرمق الأخير، وإذا دهمنا الحزن، علمتنا، أن نحزن حتى الكمد الأخير.
علمتنا أن نبتسم حتى اللحظة الأخيرة كما يليق بشهامة الفرسان، وحين نطل في الذكرى مع النور لا نطل إلا مبتسمين كما أتخيلك الآن مبتسما في ضيائك.
لك وللشهداء الرحمة والخلود.
وللوطن الانعتاق والنصر.
في الجمعة 10 يونيو-حزيران 2022 08:10:20 م