|
لكل المجتمعات البشرية نظمها العقائدية والاجتماعية والثقافية والدينية الحاكمة لها، والتي تقدسها في وعيها ولا وعيها، سواء التزمت بها أو لم تلتزم بها حرفيا، تبقى هذه القيم والبنى العقائدية ذات سطوة وحضور مقدس ومهيب لديها لا يمكن تجاوزها بحال من الأحوال.
محاولة النيل من هذه المعتقدات أو السخرية منها بطريقة أو بأخرى، بمبررات منطقية أو غير منطقية، وتحت لافتة التنوير والتثوير أحيانا وبعيدا عن منطق الحكمة في الطرح والمعالجة، فإن النتائج تكون عكسية تماما وبدل ما نحصد تنويرا سنحصد تزويرا وتطرفا وخرابا.
فإن أي تنوير لا ينطلق من داخل هذه البنى الحاكمة وبأدواته فإنه يفقد أصالته بانطلاقه من خارج هذه البنى والمعتقدات، ومن خارج سياق المقاربات العلمية شديدة الحكمة في طرحها ونقاشها، وإذا ما خلت أي تناوله من كل ذلك، فإنها تنقلب إلى نوع من السذاجة والغباء وبدلا من تنوير الناس فإنها تدفعهم للاتجاه المعاكس تماما وهو اتجاه التكفير والتطرف.
بمعنى آخر، كل القضايا محل النقاش والجدل الدائم، في الدين والدنيا والتراث وقضاياه، ليست قضايا جديدة ومحل نقاش جديد، فكل نقاش هو عالة على نقاش سابق منذ عقود وقرون، وبالتالي لا جديد في هذا السياق، وكل واحد من المجددين الجدد هو ناقل عمن سبقه في هذا السياق.
ما أريد قوله هنا وباختصار، هو إننا بقدر حاجتنا للنقاش وكسر الأصنام، بقدر حاجتنا للحكمة والرشد والأدب حتى في كسر هذه الأصنام، حتى لا نحطم أنفسنا ونؤذيها في ذات الوقت، وبالتالي فالتعاطي مع هذه العملية الصعبة وبالغة التعقيد والحساسية، التي تؤدي الفضاضة في معالجتها إلى نتائج عكسية أكثر كارثية مما نحن بصدد معالجته، من تكفير وتطرف وخراب.
ففي العلم متسع للنقاش والطرح والضرب بعيدا عن السخرية والتهكم وللناس عقول تميز بين الصواب والخطأ أيضا.
ومن ثمة لسنا بحاجة لإثارة قضايا بمنطق السخرية والتهكم حتى ولو كانت منطلقاتنا سليمة وصادقة، لأن الناس الذين نخاطبهم ليسوا كلهم سواسية في الفهم والإدراك هذا جانب، وجانب آخر نحن بحاجة ماسة للنقاش والحوار من منطق البحث عن المشتركات التي تقلل مساحة التطرف والحدية وصراع الديوك، فكل هذه العلوم نسبية الحقائق وما قد تراه صوابا ليس الضرورة يكون كذلك عند خصمك أو مناظرك.
إن آفة التعلم الغرور الذي يخلق ويصنع أغرارا يكتفون بقليل من المعرفة وكثير من الثرثرة العارية من أخلاق العلم وسر أسرار المعرفة وهو التواضع والتأدب والحكمة ومن فقد هذا فهو للعلم والمعرفة أفقد وأضيع.
في الإثنين 20 يونيو-حزيران 2022 09:52:29 م