نشر الكاتبان عبدالباري طاهر وجلال الحلالي نص مقابلة أجرياها مع الأستاذ المناضل محمد عبدالله الفسيل.
"سهيل نت" يعيد نشر نص المقابلة كما وردت في صفحتي الكاتبين على الفيسبوك.
الأستاذ المناضل محمد عبدالله الفسيل واحد من أهم رموز الكفاح الوطني منذ ما قبل 48، ولا يزال – عافاه الله– في قلب الأحداث. كانت له أدوار مشهودة في الأحداث الكبرى: 48، و55، و62.
ساهم في صياغة أدبيات وبيانات الأحرار، وفي التأسيس لحزب الأحرار 1944، والجمعية اليمنية الكبرى في عدن، وكان في صدارة الإعلان الثوري الداوي: "هنا إذاعة الجمهورية العربية اليمنية" صبيحة الــ 26 من سبتمبر 62.
انحاز للمعارضة السياسية منتصف الستينات، وأصبح نجماً لامعاً في سماء 5 نوفمبر 67، ولكن معارضته للانحرافات والاستبداد استمرت. كان الفسيل- أو كنتم سيدي- رجل المعارضة السياسية في قلب الحركة الوطنية باكراً، وكان صوتكم وموقفكم مائزاً على مدى أكثر من ثلثي قرن.
ساهم الأب الروحي للديمقراطية في الدعوة مبكراً للدسترة، وكان ثاني اثنين في صياغة دستور دولة الوحدة؛ وهو الدستور الذي مثل المدماك الأساس للوحدة اليمنية في الـ 22 من مايو 90. استمر في المعارضة السياسية، وشارك بفاعلية في دعوات الإصلاح للحكم في المتوكلية اليمنية وبعد الثورة، وتحفظ على العسكرة، وحكم القوة في أزهي عصورها. وقف ناصحاً في حركة الـ 13 من يونيو 74، وعارض ببسالة منقطعة النظير الفتن والحروب كلها.
دان حرب 94، واجتياح عدن في رسالة شهيرة لصالح، وحمله المسئولية. انضم إلى ثورة شباب الربيع العربي، وجعل من بيته مخيماً للشباب. عارض الانقلاب على الحوار، وهو اليوم يرفض الحرب، ويفضل البقاء في موقف المعارض السياسي كداعية تصالح وطني ومجتمعي رافض للحرب، وتدمير الكيان اليمني الذي دفع أغلى الأثمان في بنائه طوال أكثر من ثلثي قرن، والفسيل إما معتقل، أو منفي، أو معارض في قلب السلطة.
ساد في أدبيات الأحرار، وفي الخطاب السياسي أن الإمامة حكمت اليمن قرابة ألف عام.. ما دلالة ذلك؟ وما صحته؟
مرحبا بك يا أخي جلال، وشكراً للأستاذ عبدالباري طاهر؛ إنه مناضل عانى الكثير..
سأرد على الأسئلة باختصار مخل؛ لأنها تحتاج إلى أبحاث مفصلة.
الإمامة والأئمة ليست يمنية، بل دخيلة. كان هدفها عنصري يفرض السيادة، ويحتكر السلطة والدولة؛ الإمامة في أوﻻد البطنين.. كيف؟
وصل يحي ابن الحسين الرسي إلى اليمن، ومعه نفر قليل من ذويه في عام 280 كما أذكر، وادعى الإمامة لنفسه، ولكنه فشل وعاد من حيث أتى. وحينذاك كانت الفوضى والحروب طابع الحياة في اليمن. كان وﻻة العباسيين في صنعاء ينازعهم دويلة الحواليين في منطقة شبام وكوكبان، ويحاولون بسط نفوذهم على مشايخ آل الضحاك في حاشد.
وكان الفاطميون قد انتدبوا دعاتهم إلي اليمن: علي ابن الفضل في جبال يافع، ورفيقه حسن إلى جبال مسور، ولكنهما كانا في مرحلة الدعوة.
ووجد آل الضحاك ومن معهم أن الحواليين سيخضعونهم فأرسلوا وفداً إلى يحيى بن الحسين في جبال الرس في الحجاز يدعونه للخروج مرة أخرى، وهم سيبايعونه إماماً، ويناصرونه؛ فلبى دعوتهم، ولكنه رتب أموره؛ فجمع من أهله وأنصاره أكثر من ألفي مقاتل بنسائهم وأولادهم، واستقدم من الديلم وطبرستان في بلاد فارس حوالي ثمانية آلاف مقاتل على دفعات، وقدم إلى اليمن بهذا الجيش الذي انضم إليه آﻻف من المقاتلين التابعين ﻵل الضحاك وآل الدعام الذين بايعوا الإمام الهادي يحيى بن الحسين الرسي، وكان المقاتلون القادمون مع الهادي هم حرسه الخاص وقوته الضاربة؛ لإخماد أي تمرد، وجند الجنود، وأعلن الجهاد ضد القبائل اليمنية، وضد وﻻة العباسيين، وضد الحواليين، وكان آل الضحاك والدعام من أول ضحاياه، واستن هدم البيوت، وقطع اﻷشجار؛ لتدمير وإرهاب المخالفين، وعندما تمردت عليه قبيلة بني الحارث في صعدة هزمهم، وقتل المئات من رجالهم، ومنع دفن جثثهم؛ لتأكلها الكلاب والوحوش، وهكذا استمر الأئمة والإمامة في اليمن تعارض كل القوى في اليمن، وتشكل عصابات قبلية تتمدد بها إلى كثير من أنحاء اليمن، أو تنكمش إلى جبال صعدة أمام زحف دول وقوى يمنية، ولكن الأئمة في اليمن لم يكونوا دولة مؤسسات؛ لأن ذلك يتنافى مع عقيدتهم العنصرية؛ بل ظلوا أشبه برؤساء عصابات يشكلونها من قبائل الشمال الشيعية، حتى سقطوا وسقطت الإمامة في ثورة 26 سبتمبر الجمهورية.
وأشير أن الأئمة لم يحكموا اليمن كاملة عبر تاريخهم، بل كانوا في أكثر فترات تاريخهم ينكمشون في جبال صعدة أمام دولة الأيوبيين والرسوليين والصليحيين والعامريين والمماليك والأتراك.