آخر الاخبار

الرئيسية   أخبار وتقارير

الضالع.. جرائم حوثية طالت المنازل والمرافق العامة وضحايا بدون رعاية رسمية

الثلاثاء 07 سبتمبر-أيلول 2021 الساعة 10 مساءً / سهيل نت - خاص - نصر المسعدي

لم يكن يدر بخلد "أحمد عبادي العقري" أن أسرته ستصبح بلا مأوى، وتبحث عن مسكن يضم أطفالها، بعد أن فجر الحوثيون منزلها المكون من طابقين، في قرية "نعوة" بمديرية جبن، في محافظة الضالع، نهاية شهر مايو الماضي.

لحظات مرعبة، تلك التي عاشها سكان الربيعيتين، وهم يرون أركان المنزل وقد تطايرت، في السماء، وتحولت أجزاؤه إلى ركام، يلفها الغبار من كل جانب.

سوّي المنزل بالأرض، وفوق أنقاضه عائلة تبحث عما تبقى لها من مأوى أنفقت فيه تحويشة العمر، وفقدته بلمح البصر في غضون دقائق.

"العقري" وهو قيادي في "المقاومة الشعبية" يقول إن تفجير الحوثيين لمنزله، لم يزده إلا عزيمة وإصرارا على مقاومة الانقلاب ورفض المشروع الإيراني في اليمن.

ويؤكد أحمد عبادي، بقوله "هذه هي ضريبة الحرية، وأن الإيمان بعدالة القضية اليمنية، يهون معه كل شيء، فالوطن يستحق منا كل غال ونفيس، ليس البيت فحسب، وإنما الأرواح والدماء".

وخلال قرابة سبع سنوات مضت على الحرب في اليمن، منذ انقلاب مليشيات الحوثي على الشرعية اليمنية، شهدت محافظة الضالع، انتهاكات وجرائم ارتكبتها مليشيا الحوثي الإرهابية، كان أهمها تفجير المنازل، والعبارات والجسور، واستهداف وتدمير المنشئات والأعيان المدنية، وهو ما حاولنا رصده في هذا التقرير.

تفجير المنازل:

الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أعدت تقريراً رصدت فيه تدمير 2932 منشأة في محافظة الضالع، خلال الفترة 24 مارس 2015 وحتى 1 أغسطس 2021، وتنوعت بين ممتلكات عامة "تعليمية، صحية، خدمية، مقرات حكومية، مشاريع ومنشآت حيوية، معالم أثرية وسياحية، دور عبادة، الطرق والجسور" وممتلكات خاصة "منازل ومجمعات سكنية، مقرات الأحزاب والهيئات والمنظمات المحلية، والمحلات التجارية، المزارع وآبار المياه".

تفجير منازل المواطنين كان أهم وأبرز الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب، وقد رصد فريق الشبكة اليمنية "42" حالة تفجير لمنازل تابعة لقيادات حزبية وأمنية وعسكرية وزعماء قبليين ومواطنين مستقلين تتهمهم مليشيا الحوثي بالوقوف مع ما تصفه بالعدوان، عبر استخدام عبوات ناسفة مشحونة بمادة "T-N-T" بالإضافة إلى تفجير 1 جسر 3 عبارات في الخط العام الرابط بين صنعاء - عدن، و4 عبارات في خط قعطبة إب والحشاء.

كما ألحقت تلك التفجيرات أضراراً جسيمة بالمباني القريبة من مواقع التفجير، حيث رصد التقرير قرابة 5 منازل تضررت جزئياً نتيجة تفجير منازل ملاصقة أو مجاورة لها في دمت.

وكذا استهداف "7" سيارات إسعاف، وإحراق "30" محلاً تجارياً وأكثر من "102" محل تجاري تم مداهمته ونهب ما فيه اقتحام عدد من المساكن الطلابية وتفتيشها ونهب محتوياتها بلغ عددها "3" مساكن.

ووفقاً للحقوقي "محمد العمدة"، فإن تفجير المنازل دفع مئات العائلات إلى حياة النزوح والتشرد في مناطق أخرى، والعيش في بيوت الإيجار أو في المخيمات والمدارس، إضافة إلى البيوت القديمة المهجورة.

واتهم العمدة، مليشيات الحوثي بانتهاج سياسة التدمير الممنهج للبنية التحتية، من منشآت خدمية ومؤسسات تعليمية وصحية ومنازل ومزارع ودور عبادة، حيث دمرت 642 منشأة منها 91 منزلا تضررت بشكل كلي و514 منزلاً بشكل جزئي.

أما المحامي «محمد صالح أبو طلعة»، فقال إن تفجير المنازل، واحدة من أساليب العنف والتنكيل بالخصوم، إضافة إلى إرهاب وترويع كل من يفكر في رفض ومقاومة مشروعها الانقلابي.

واعتبرت منظمة سام للحقوق والحريات، هذه الممارسات تنتهك بشكل خطير القانون الدولي والمواثيق الدولية، كما عدتها "جرائم حرب" وتدخل في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها مليشيا الحوثي، ضد خصومها السياسيين وكل من يقف في طريقها.

الجسور والعبارات:

شهدت مناطق شمال محافظة الضالع وخلال فترات متقاربة تفجير مليشيا الحوثي ونسفها عددا من الجسور والعبارات "جسر و8 عبارات"، وذلك بهدف قطع الطرقات العام، أمام تقدم قوات الحكومة وعرقلة وصولها، كما يقول "بلال القادري".

وقال القادري، إن الجيش الوطني حينما وصل إلى الحقب جنوب مدينة دمت، فجر الحوثيون جسر قُرّع الواقع على مدخل المدينة الجنوبي، كما فجروا في وقت لاحق ثلاث عبارات، واحدة بين قريتي الحقب وبيت اليزيدي، وأخرى يعيس شمال مريس، والثالثة على مدخل قعطبة أسفل نقيل الشيم.

وفي خط الضالع – إب، جرى تفجير عدد من العبارات، ابتداء من المدخل الغربي لمدينة قعطبة وحتى جبل حمك، على الحدود الإدارية لمحافظة الضالع، وخصوصا في شخب وسليم وقرين الفهد، بالإضافة إلى عبارة على طريق الحشاء في منطقة الزقماء.

القطاع التعليمي والصحي:

وفي مدينة الضالع تسببت الحرب في تدمير عدد من المرافق والمنشئات التعليمية "17" حالة استهداف وتمترس في المنشآت التعليمية بما فيها مكتب التربية والتعليمة بالمحافظة وكلية التربية التابع لجامعة عدن وتحويل البعض منها إلى ثكنات عسكرية.

وبحسب مدير إدارة التربية والتعليم في قعطبة "عبدالباسط المرح"، فإن المدارس والمنشئات التعليمية، تأتي في مقدمة المباني والمرافق التي طالها التدمير وبأشكال مختلفة، سواء عبر القصف أو تلك التي حولتها مليشيات الحوثي إلى ثكنات عسكرية، وجرى استهدافها من طيران التحالف العربي، مشيراً إلى أن واحدة من تلك المدارس تم تفجيرها وهي مدرسة الشهيد الشرجي في حبيل العبدي.

وتضررت بشكل جزئي، 4 مدارس، 6 مدارس تأثرت بالمدفعية، 5 مدارس مغلقة جراء وقوعها في خطوط النار و9 حالات إغلاق وتعطيل الدراسة، وتحويلها إلى مراكز إيواء للنازحين والمشردين.

وقال المرح، إن العملية التعليمية تأثرت وبشكل كبير وتواجه عدد من التحديات، أهمها تضاعف أعداد الطلاب بسبب النازحين فيما أصبحت عدد من المدارس مأوى للنازحين والمشردين، كما أن هناك عجز كبير في المعلمين نتيجة توقف التوظيف، وزيادة عدد المرضى والمتوفين وكبار السن.

مجال الفكر والعبادة:

وفيما يخص انتهاكات حرية الفكر، ودور العبادة، سجلت مصادر حقوقية ورسمية متطابقة تعرض 22 مسجداً لأضرار مختلفة وحالات انتهاك، حيث تم استهداف مسجد ومستوصف الإحسان في مدينة الضالع، وتضررهما بأضرار جزئية، واحتلال جامع الفردوس في مدينة دمت، وتحويله إلى مخزن ومؤخرة لمسلحي المليشيا.

ومثله احتلال مباني دار القرآن والعلوم الشرعية بدمت، ودار عفراء للبنات وتحويلهما إلى سجن وثكنة عسكرية، و6 حالات فرض أئمة وخطباء من عناصر المليشيات، كما تعرضت "17" مقرا خاصا لمنظمات مجتمع مدني ومؤسسات أهلية تعمل في المجال الإنساني والخيري، للاعتداء والنهب.

المجال الزراعي:

ويعتمد غالبية السكان في مناطق الضالع، ومنها تلك الواقعة في مناطق التماس شمال وغرب مريس، والعود والحشاء، بشكل أساسي على زراعة القات كمصدر دخل، غير أن حياتهم تحولت إلى جحيم وفقدوا هذا المصدر.

وبحسب إحصائية رسمية، تعرضت "41" من آبار المياه والمضخات وخزانات المياه للتدمير بشكل كلي وجزئي، فيما تعرضت بعضها للنهب، أهمها خزان مياه العرشي في مدينة الضالع، وخزان مشروع مياه قرى وادي سون الرحبة، الذي استهدف بقذائف الهاون وغيرها من الأسلحة.

المواطن "ناجي عبيد" يقول إنه ومنذ وصلت عناصر الحوثي المسلحة إلى سون وتمركز المليشيات في وديان وجبال القرية الجنوبية وإطلاقهم النار بشكل عشوائي على المنازل، تغير كل شيء بالنسبة لهم.

واتهم مزارعون في منطقة العود، عناصر الحوثي المتمركزة في الفاخر، بإضرام النيران في مزارعهم، ما أدى لإتلاف عشرات المزارع وتدمير مضخات الري وآليات رش السموم.

وأجبرت الحرب السكان على ترك قراهم ومنازلهم والنزوح قسراً إلى مناطق مختلفة، توزعت على قرى مريس وقعطبة وهجار وشليل ودمت، وغيرها من المناطق، وانتهت جميع مزارع القات التي كانت تعتبر الدخل الوحيد للناس.

وهناك معاناة مفتوحة وآلام مستمرة، تركتها الحرب على سكان قرى مناطق التماس، شمال وغرب مريس، والعود، فمنذ ما يزيد عن ثلاث سنوات ونصف، لا يزال السكان محرومين من العودة إلى أرضهم ومنازلهم، ويحلمون كل لحظة بميلاد فجر جديد يبشر بالعودة ويضع حد لمعاناتهم التي يرجون أن لا تطول كثيراً.

مجال الاتصالات:

لم تكتف مليشيا الحوثي بتحويلها للمنشآت التعليمية والمرافق الحكومية إلى ثكنات عسكرية، وإنما قامت بالاحتماء بكل منشأة مدنية هرباً من قصف الطيران لعناصرها، مع أنه كان بالإمكان أن تتمركز عناصرها بعيدا عن تلك المرافق وتجنبها خطر الاستهداف.

هكذا يقول الناشط الإعلامي "فضل الجلال"، مؤكداً أن الحوثيين يقصدون ذلك بهدف تدمير البنية التحتية في البلد، من طرقات وجسور ومدارس وغيرها، إذ لا يهمهم ذلك بقدر ما يهمهم تحقيق نصر عسكري.

وسائل النقل ومرافق:

كما جرى تدمير حافلة نقل ركاب كبيرة تابعة لدار القرآن الكريم في دمت، وسيارة أخرى جرى تدميرها أثناء واقعة تفجير منزل المحامي والحقوقي رئيس منظمة سجين «عبدالرحمن برمان» في قرية الجهدعة بالرياشية بدمت، وهما متوقفتان بحوش المنزل.

وكيل محافظة الضالع فضل القردعي، أكد ما رصدته المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان بالمحافظة من انتهاكات وجرائم لحقت بالأعيان المدنية بالمحافظة، توزعت على "474" حالة تضرر جزئي، "213" حالة تضرر كلي و"22" مرفقا تعليمياً و"9" مرفق صحي و"12" مقار حكومي و"22" مسجداً و"7 " مقرا خاصا لمنظمات مجتمع مدني ومؤسسات أهلية تعمل في المجال الإنساني والخيري و"72" محلا تجارياً.

الأسباب والدوافع:

يرجع العقيد "أحمد ناجي المريسي"، الأسباب والدوافع التي دعت جماعة الحوثي لارتكاب تلك الجرائم والانتهاكات، إلى كونها أداة لتنفيذ المخطط الصفوي الإيراني في اليمن، هذا المشروع الذي يسعى لضم اليمن إلى ولاية الفقيه، بحيث تكون العاصمة صنعاء رابع عاصمة عربية جرى السيطرة عليها تحت هذا الأساس.

وهناك عشرات العائلات التي فجرت منازلها، تركتهم الحرب الدائرة في اليمن، تحت رحمة النزوح والتشرد، فبعد سنوات من تشردهم قسرياً وتفجير منازلهم، يتعرضون للمضايقة والتهديد بالطرد من المؤجرين.

يقول مدير عام قعطبة أحمد ناجي صالح، إن تزايد أعداد النازحين والمشردين في قعطبة، ومريس، وسناح، والضالع، والإقبال على الشقق ومنازل الإيجار، هو ما دفع بالمؤجرين إلى رفع الإيجارات أضعاف مضاعفة، ما عرض البعض منها للتهديد بالطرد إلى الشارع.

وحصل معد التقرير، مذكرة شكوى رفعت لقيادة السلطة المحلية بالمحافظة جاء فيها "أن هذه الأسر التي ناضلت ولا تزال في سبيل استعادة الدولة والدفاع عن حرية وكرامة المواطنين، تمارس ضدهم أبشع صور الابتزاز والإذلال والتهديد بالطرد من قبل المؤجرين، الذين لا يهمهم سوى مصالحهم".

وقال "صلاح المثيل"، وهو عضو لجنة تشكلت من قبل النازحين لهذا الغرض، إن هذه الأسر تتوزع بين أسرة شهيد أو جريح أو أسير، أو مقاتل يرابط في الجبهة للتصدي ومواجهة مشروع الإمامة المدعوم من إيران، ويبذلون أغلى ما يملكون وهي أرواحهم ودماؤهم للدفاع عن المحافظة وحراستها.

وطالب المثيل، قيادات السلطة المحلية والوحدات العسكرية والأمنية بالمحافظة، سرعة التدخل لحل ومعالجة هذه المشكلة، التي قال إنها من أخطر المشاكل، كونها تستهدف هذه العوائل في وجودها واستقرارها، وهو آخر ما تبقى لها من كرامة.

من جانبه، قال الحقوقي "محمد العمدة"، إن من الآثار المترتبة على تفجير المنازل وتهجير سكانها، على المدى القريب، إلى فقدان المأوى والممتلكات ومصادر الرزق وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية مما يهدد استقرار الأسر المهجرة ويجعلها أكثر اعتمادا على المساعدات الإنسانية.

بينما يؤدي التهجير على المدى البعيد إلى زيادة الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وانخفاض مستوى التحصيل التعليمي للأطفال وظهور علامات القلق والألم النفسي على كل من الأطفال والكبار على حد سواء، حد قوله.

الآثار النفسية وأخرى:

وتركت جريمة تفجير المنازل، آثار سلبية كبيرة في نفوس مالكي تلك المنازل وبخاصة لدى النساء والأطفال، الذين هالهم وأرعبهم التفجير ومنظر المنزل وقد تحول إلى أثر بعد عين.

يقول الطبيب النفسي "مثنى قاسم عبدالله"، لا شك أن هذا الفعل سيترك أثر كبير في نفسية الطفل، سيلازمه للأبد ويولد لديه القناعة في الانتقام، ويقول "عبدالحكيم الخياري"، إن حياة التشرد والابتعاد عن الأهل ليست بالأمر الهين والبسيط، فليس سهلاً أن تجبر أسرة ما على مغادرة منزلها والخروج إلى المجهول، فما بالك بتفجيره ونسفه من الأساس.

الخياري، وهو يرى أن المنزل هو كل شيء بالنسبة للأسرة، وربما كلفها الكثير من المال والجهد، ومن الصعب تعويضه، قال إن استهداف الحوثيين لمنازل الخصوم ليس سوى رسالة ردع وإرهاب ليس لمن جرى تفجير منازلهم ولكن لكل من يفكر في المقاومة ورفض مشروع الانقلاب.

وأدى تفجير الجسر والعبارات إلى توقف حركة النقل في الخط الرابط بين محافظات عدن الضالع وإب وصنعاء، وتوقف الشاحنات التي تحمل مواد غذائية وبضائع للتجار في أغلب المحافظات في شمال اليمن.

وتسبب إغلاق الطرق العامة الرابطة بين صنعاء وعدن وبقية المحافظات، والمار عبر الضالع، بمعاناة المواطنين، وارتفاع كلفت أجور النقل بنسبة وصلت إلى 120%.

ويقول "بلال القادري"، إنه لأجل الوصول من مريس إلى دمت، داخل المحافظة نفسها، تقطع العائلات مسافات طويلة تصل إلى 14 ساعة عن طريق الحبيلين - يافع - البيضاء - رداع - دمت.

وباتت المسافة التي كانت تُقطع خلال ثلاثة أيام من عدن إلى صنعاء، بحسب تاجر الجملة "محمد صالح"، تستغرق الآن ثلاثة أسابيع، لأن الناقلات تضطر إلى استخدام طرق بعيدة، ما تسبب في تلف الأدوية وبعض المواد الغذائية، التي تحتاج إلى تبريد، كما أضاف زيادة كلفة نقل البضائع، وبالتالي زيادة أسعارها.