آخر الاخبار

الرئيسية   حوارات

الشاعر فؤاد الحميري: كل كلمة مقاومة تقال اليوم سيكون لها ثمرة غدا

الأربعاء 29 سبتمبر-أيلول 2021 الساعة 06 مساءً / سهيل نت - خاص - حاوره: علي عزي

الشعر وقود الثورات، بوتقة تنصهر فيها كافة الرؤى والتوجهات، شعلة تلهب الحماس في نفس كل وطني وفي جبهات النضال، رصاص تدمغ الباغي وتجحض حججه، ونبوءة تجهض لديه كل فكرة قد تنقذه من صعوبة الموقف وضيق المأزق.

والشاعر الحق متمرد بطبعه ثائر بمواقفه، وطني في توجهاته وأفكاره ورؤاه، هناك شعراء قادوا الثورة وقادتهم الثورة، خلدوها وخلدتهم، كتبوا الثورات وأشعلوا نيرانا لا يخمد حرها ولا يخبو لهبها، انتصروا للحق ونادوا للحرية والكرامة.

ولتسليط الضوء على شعرائنا اليوم، ودورهم في المعركة الوطنية، واستلهام الأدوار البطولية بأبعادها المختلفة.. أجرى الصحفي والمذيع التلفزيوني في قناة سهيل علي عزي، حوار خاصا، لموقع "سهيل نت" مع الشاعر فؤاد الحميري، فإلى نص الحوار:

لو بدأت معك بسؤال يفترض أن يكون في نهاية هذا الحديث، في أي لحظة يجد الشاعر نفسه أنه ثائر مناضل، وأن عليه رسالة وطنية يجب أن يكون على أتم الاستعداد لأدائها؟

- حين يدرك أهميته كشاعر.. وخطورة دوره.

ما طبيعة الأدوار التي يقوم بها الشعر، الشعر الثوري إن صحت التسمية، سواء قبل الثورة وأثناء الثورة والمقاومة، وضد الأئمة والحوثي في الأمس واليوم؟

- للشعر الثوري كما أسميتَه أدوار كثيرة منها الدائمة، كالتنوير الفكري التوعوي ومنها الآنية كالتثوير العاطفي التعبوي كما أن الشعر -كديوان للعرب- يبقى مصدرا مهما لتوثيق الوقائع وحفظ الذاكرة الجمعية وهي كلمة السر في معارك الأمم الوجودية.

انطلقت القصائد السبتمبرية من قلب الشعب ومعاناته تعبيرا عن إرادته وقدرته على كسر قيود الخوف، والتمرد على ظلم الإمامة، ونجد اليوم قصائد الشعبية تنطلق بلسان الشعب وتصبخ أكثر انتشارا واستيعابا للأحداث، إلى أي مدى استطاعت تلك القصائد صهر الوقائع والأحداث في رؤية شاملة للتلقي الواسع، أم إنها خلقت مع الحدث لتموت معه وينتهي وهجها؟

- الخلود غاية سعى إليها الإنسان منذ الأزل ولم يجدها إلا في المجد أو الذِكر ولعل عظمة الشعر جاءت من قدرته على تخليد الأشخاص والأفكار والأشياء ومنحها "المجد/ الذكر" المأمول، ونقلها من المباني الفانية إلى المعاني الباقية، ويبقى على الشاعر بذل الجهد للوصول إلى الكلمة الخالد المخلِّدة، إما عبر إطلاق النص من قيود الزمان والمكان والأشخاص وتحريره من أسار الأحداث، أو عبر تحرير الزمان والمكان والأشخاص والأحداث بالإشارات المعبرة والصور المبتكرة والأخيلة المستشرِفة وهو جهد ينجح حينا ويفشل أحيانا، وفي ظني أن عظمة الحدث واستثنائيته إضافة إلى قوة الكلمة وصدق الإحساس مع اعتلاء الشعر منفردا سدة الثقافة النخبوية والشعبية اليمنية حينها قد أسهم ولا شك في تخليد الثورة وأشعارها، كما أن بقاء المبرر والدافع لقيام الثورة اليمنية واستمرار أسبابها حتى اللحظة يقتضي استدعاء تراثها الأدبي والشعري استدلالا واستئناسا وينفخ حتى في الميت من نصوصها روح الحياة ويُبقي كلما يكتب اليوم فرعا لأصل، ومع ذلك أقول إن ما يكتب اليوم وفيه ما يقارب الأصيل قوة وعنفوانا سيكون منه الخالد المخلد إذا انطلق كالشعر السبتمبري من قلب الشعب ومعاناته معبرا عن إرادته وقدرته على كسر قيود الخوف، والتمرد على ظلم الحوثية.

من وجهة نظر الشعر والشعراء، هل نحن اليوم في إطار ثورة سبتمبرية، العدو ذاته والأهداف ذاتها، أم أنها ثورة مختلفة بكل المقاييس عميل في الداخل وتخاذل من بعض القوى في الخارج؟

- في كل مراحل الثورة اليمنية عبر تاريخها الحديث كان التلازم قائما بين معطيات الداخل والخارج، وقديما قالوا: "الطغاة يجلبون الغزاة"، وسواء كان التاريخ يعيد نفسه أو يتقاطع مع الحاضر في بعض نقاطه فإن التقارب قائم بين معركتي الأمس واليوم، وهو تقارب مفيد في الوصول إلى مقاربة تفيد من الماضي دون أن تقع في فخه، وبنظرة سريعة إلى شعراء وأشعار المقاومة اليوم نجدها تتبنى بوضوح نظرية الثورة الواحدة المستمرة منذ سبتمبر 62م، وحتى الآن.

ثورة سبتمبر خلاصة ثورات مهدت لها، وخلاصة معاناة ونضال طويل خاضه الثوار، ما مستوى وعي شعرائنا اليوم بأهمية الانطلاق منها، والاستفادة من نضالات أبطالها، وأيضا نقل التجربة بقالب جديد يكشف وجه الحوثي كما تكَشّف وجه الإمامة، للشعب كافة من أيام الثورة وإلى اليوم؟

- انطلاقا من تبني الشعر المقاوم اليوم لنظرية الثورة الواحدة المستمرة كما أسلفنا نجد استيعاباً ووعياً بارزين من قبل شعرائنا بأهمية الأخذ من ذات المعين الثوري والإفادة من الماضي للحاضر والانطلاق من التأسيس للتأكيد، كما نجد التجديد المواكب للجديد.

نتساءل عن جيل سبتمبر، ممن انقادوا للحوثي ولفكره وهمجيته وهو يعي تماما أنه سلالة متطورة من الإمامة البائدة، نتساءل ما الذي حدث؟

- إن كنت تقصد بجيل سبتمبر الأجيال التي ولدت وعاشت في ظل الجمهورية السبتمبرية فيقال إن الشعوب بلا ذاكرة، ويقال لها ذاكرة لكنها مثقوبة والحديث هنا بالطبع عن الذاكرة الجمعية والتي ينبغي أن تنمّى وتراكم وترعى اجتماعيا وسياسيا وتحمى دستوريا وقانونيا وتعليميا وتربويا وإرشاديا وإعلاميا.. الخ، لكننا نجد قصورا كبيرا في ذلك وفراغات استطاعت الإمامة من خلالها التسرب إلى اللاوعي الجمعي والانغراز في العمق الثقافي اليمني وخذ أناشيد وأغاني الأعراس الشهيرة وما تحمله من تقديس للفكر الإمامي أنموذجا، فالذاكرة الجمعية اليمنية "ركامية لا تراكمية" والسبب في ذلك "استماتة الإماميين وتماوت الجمهورين" إن جاز التعبير، كما أن الغفلة أو التغافل السياسي، إن لم يكن الدعم للتغلغل الإمامي لمفاصل الدولة المدنية والعسكرية طيلة العقود الماضية من عمر الثورة وتغليب التكتيكي على الاستراتيجي رسميا والأيديولوجي على الوطني حزبيا قد حول الهوية عند البعض إلى مجرد هواية، كل ذلك في ظل أجيال نشأت في الجمهورية لم تعرف حقيقة الإمامة ولم تذق مُرها فهي تقارن حاضرها بحاضر جيرانها لا بماضيها، ومع ذلك كله فالمقاومة التي أبداها شعبنا في مواجهة الحوثيين ومن وراءهم تعد أسطورية بكل المقاييس في ظل كل تلك الحيثيات وتبشر بقدرة هذا الشعب على تجاوز كل ذلك بل وتحويل غصصه إلى فرص.

منبر الشعر وهو المنبر الأكثر استيعابا للقضايا والأحداث وأكثر نفاذا إلى الأذهان ووصولا إلى الأسماع في كل مكان، إلى أي مدى يعي الشعراء أهمية هذا الدور، وهل استطاع الشعر أن يقوم بمهمته هذه على أكمل وجه؟

- اقترن الشعر لدى العرب بالوعي فقالوا: شاعر لبيب، ومن هنا نقول إن لم يعِ الشاعر.. فمن؟! وبتتبع المعركة الجمهورية الإمامية نجد جبهة الأشعار خلافا لجبهات النار، دائمة الاشتعال لا تقبل هدنة ولا تهدئة: قصائد ومساجلات وزوامل وأناشيد وأغاني مقروءة ومسموعة ومرئية وهو دليل على وعي الشعراء بدورهم الذي يبقى دائما بحاجة إلى تطوير ومواكبة.

ونحن نتحدث عن الشعر في أبعاده الوطنية، هل يمكن أن نخلع عليه هوية حسب مضمونه الوطني أو العدائي فنقول: شعر وطني، وشعر خان رسالته الطبيعية، حين انضم إلى اصطفافات ضيقة؟

- أجدني مع تقييم الشعر بمدى انحيازه للهوية اليمنية وقيمها أرضا وإنسانا، تاريخا وجغرافيا دينا وتراثا لغة وثقافة عرفا وقانونا من عدمه وأعترف أني متطرف في ذلك حد تسمية ما يكتب في تزيين العبودية وتقديس المستعبدين شعيرا لا شعرا وإن بلغ ذروة الشاعرية فنياً، والشعر في ظاهره بلاغة الوصف والتصوير، والبلاغة تقتضي الوصول إلى المخاطب قبل الوصول به، والشعر الثوري خصوصا لا يحكم عليه من خلال النص المجرد وجمالياته بل من خلال قيمه ومنطلقاته ابتداء وفاعليته وتأثيره انتهاء، فالشعر الذي يصل بأهداف الثورة والمقاومة إلى الناس وينقل الجمهور إلى مستويات أعلى من الوعي بقضية الوطن والإيمان بعدالتها هو الشعر الثوري ونجاحه ذاك هو الارتقاء، ولا يمكن لشعر هذه صفته إلا أن يأخذ من الرقي الفني نصيبا.

هل استطاع الشاعر أن ينفذ من التعبير عن ممارسات القتل والدمار وهدم القيم التي يمارسها الحوثي، إلى التعبير عن القيم الإنسانية والحياة والحريات والوطنية والمساواة في قالب شعري واحد؟

- لا شك أن لقانون "الفعل ورد الفعل" حضورا إجباريا في معركتنا الثقافية صبغت الشعر الثوري المقاوم بلون الدم انفعالا، لكن الشعراء في تقديري استطاعوا الانتقال من الانفعال إلى الفاعلية ومن التأثر إلى التأثير وساعدهم على ذلك أصالة منطلقاتهم في مقابل طوارئ الآخر القادم من خارج البيئة اليمنية ثقافة وسلوكا.

أمام ثقافة الدم والقتل والحقد والدمار التي يبثها فكر الحوثي سموما في عقول الشباب، هل يستطيع الشعر الوصول إلى ما لم يصل إليه السلاح بعد؟

- دعني أذكّر أولاً بأن تغييرات كبيرة حدثت في اهتمامات الناس الأدبية والفنية كما أن الشعر الذي كان متفردا في سدة الثقافة النخبوية والشعبية اليمنية في ستينات القرن الماضي لم يعد يحتل تلك المكانة بل شاركته فيها الكثير من ألوان الفنون والآداب بل ربما ترك مكانه في أحايين كثيرة لغيره من الفنون كالدراما مثلاً، لكن مع ذلك لا زال وبمعية تلك الفنون والآداب وقبل ذلك العلوم قادرا على الانتصار في المعركة الأهم والأكبر معركة الوعي.

ما دور الشعر الشعبي في بث الوعي في عامة الجماهير؟

- الشعر الشعبي هو الأقرب من الناس والأقرب إليهم أيضاً وكما كان له دوره المحوري المؤثر في ثورة سبتمبر وأكتوبر قصائد وزوامل وأغانٍ حتى أننا نردد إلى الآن "جمهورية ومن قرح يقرح" ونتذكر بكل إكبار شاعر الثورة "صالح سحلول" فإنه لا زال يملك تلك القدرة على التأثير والوصول إلى الناس بل ربما هو اليوم في مكانة أرفع من تلك التي كان فيها سابقا على عكس الشعر الفصيح، ويكفي أن تمر في أي شارع أو تستقل أي وسيلة مواصلات لتسمع الدليل من مسجلات السيارات والباصات والموترات أما في الجبهات فهي سلاح إلى جوار البندقية ترفع المعنويات وتشد الأزر وتذكر بعدالة القضية ونبل الغاية وتضبط البوصلة وتبشر بالنصر.

في أي جبهة وطنية يقاوم الشاعر فؤاد الحميري، وما مدى جاهزيته؟

- أتموقع بحسب طبيعة المعركة وضروراتها وأولوياتها فأجدني مبشرا حينا منذرا حينا مدافعا تارة مهاجما أخرى، وأنا مع ذلك مقلّ لتعدد مياديني بين الأدبي والفكري والسياسي، الخ.

الشعر في طابعه الوجودي يقوم على التمرد، هل حقق له مستوى أعلى من التمرد والجرأة في التعبير والمواجهة، أم ثمة معوقات تحول دون ذلك؟

- لا يعوق الشعر إلا ما يعيق الشاعر وهو حساب السياسة العامة للمبدئي وحساب المصالح الخاصة للنفعي، وبين الحسابين حسابات تنزع لهذا أو لذاك، والشعر "المحسوب" يخرج عن كينونته الثورية وبالتالي عن ماهيته، لذلك فرّ ويفرّ شعراء "الحسابات" إلى الرمزية هروبا من فخ الخطابية والمباشرة في الظاهر وتنفيسا عن روح الشعر المتمرد في الباطن، فإذا قامت الثورة وكانت المقاومة وجد الشعر بغيته والشاعر غايته وظهر التمرد جليا والجرأة سافرة.

هل استطاع الشاعر اليوم خلق ثقافة التمرد في الجماهير في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي؟

- "معدل الشعر تراكمي" والفعل الثقافي كله عملية تراكمية في حقيقته، فالشاعر ليس ساحرا يدخل القصيدة في قبعته فيخرجها تمردا جماهيريا أو ثورة شعبية فضلا عن أن يخرجها نصرا مؤزرا أو فتحا مبينا، بل هو فلاح يحرث الأرض ويسمدها ويبذر البذرة ويسقيها ويرعى الغرسة ويحميها حتى يصل إلى الثمرة وحصادها، وكل كلمة مقاومة على العموم وشاعرة على الخصوص تقال اليوم سيكون لها ثمرتها غدا في كل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي، وما الانتفاضات التي تندلع في قلب تلك المناطق بين آونة وأخرى إلا إشارات لهذه العبارات.