آخر الاخبار

الرئيسية   منوعات

غريفيث : نسعى للذهاب نحو مشاورات غير مشروطة

الخميس 27 فبراير-شباط 2020 الساعة 07 مساءً / سهيل نت - المصدر اونلاين
 

 

يعتقد المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث أن اتفاق ستوكهولم قد أدى المهمة الأساسية وهي حماية مدينة الحديدة الساحلية وميناءها من الدمار الذي كان ينتظرها في حال استمرت الحرب، وعلى عكس كثير من المعنيين والمتابعين يرى غريفيث أن الفرصة مواتية للإنطلاق نحو اتفاق شامل.

ويرى غريفيث أنه لا ينبغي ربط اتفاق السلام الشامل بتنفيذ كامل لاتفاق ستوكهولم، وهو ما يقدم تفسيراً للتصريحات المتكررة التي يطلقها مسؤولو الحكومة الشرعية بعد كل لقاء يجمعهم بالمبعوث الأممي يؤكدون فيها تمسكهم بتنفيذ مخرجات ستوكهولم، ومع أنها (التصريحات) تبدو عادية ومكررة إلا أنها تحمل رفضاً لدعوة الوسيط الأممي للذهاب نحو مفاوضات تتجاوز ستوكهولم.


في هذه المقابلة يؤكد غريفيث أنه يسعى لإقناع أطراف الصراع بالذهاب محو مشاورات غير مشروطة تتعاطى "مع المسائل الكبيرة المتمثلة في الشرعية والحكم وتنظيم الفترة الانتقالية ".



يقول غريفيث إن الأمل هو سلاحه كمبعوث الأممي للاستمرار في مهمته والتعاطي مع حرب تشابك فيها المحلي والإقليمي والدولي، إلا أنه في حديثه يتراجع كثيراً إلى الوراء ليقدم نفسه كميسر لنقاشات بين أطراف يفترض أن تمتلك القدر الكافي من الرغبة في السلام وإيقاف العنف الذي تجاوز عامه الخامس وخلف عشرات الآلاف من القتلى وتسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.


في مقابلة خاصة ومقتضبة أجراها الزميل معاذ راجح من "المصدر أونلاين" مع المبعوث الأممي أعرب غريفيث عن أمله أن يتجاوز خلال العام الجديد 2020 حالة الجمود التي خيمت على المشهد في العام الفائت.

 

نص المقابلة:


* كيف ينظر المبعوث إلى الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون واستهدفت أبرزها مسجداً داخل معسكر للقوات الحكومية في مارب؟

- لقد كان حدثًا مأساويًا ومروعًا. أكثر من 80 شخص راحوا ضحية لهذا الهجوم مما يؤكد لنا أن الموقف هش للغاية، ويؤكد أيضًا أننا بحاجة ملحة لإيجاد حل سياسي لابد أن تدعمه بيئة أمنية مواتية. يحتاج العمل الشاق الذي يتم بذله لبناء الثقة، وخفض التصعيد، وخلق بيئة إيجابية مواتية للعملية السياسية، لأشهر قبل أن يؤتي نتائج نستطيع رؤيتها. بالمقابل، لا يحتاج الأمر لأكثر من بضع ساعات من العنف لتقويض كل هذا التقدم. أي نشاط عسكري من شأنه عرقلة عملية خفض التصعيد هو إنذار بالخطر بغض النظر عن البادئ بالعنف. أشعر بالجزع والقلق بسبب التصعيد العسكري الذي وقع في التاسع عشر من يناير/كانون الثاني، خاصة الهجوم الذي استهدف معسكر الاستقبال في مأرب.


* إلى أي درجة تؤثر تلك الهجمات على إمكانية الوصول إلى حل سلمي وعلى مساعيكم لإحياء المشاورات السياسية؟ وهل تعتقدون أن هذا الهجوم يقدم دلالة على عدم جدية الحوثيين في التفاعل مع جهود الأمم المتحدة لإحلال السلام؟

- على القادة اليمنيين في طرفي النزاع أن يتخذوا اختياراً. هذا هو المِحَكُ الحقيقي لاختبار التزامهم بالحل السلمي للنزاع. فإما أن يطرحوا أرضًا كل التقدم الذي أنجزوه بشق الأنفس ويتسببوا في المزيد من المعاناة والأسى ويجروا بلادهم إلى المزيد والمزيد من سنوات النزاع، وإما أن يتركوا الأمر يتوقف عند هذا الحد ويقروا أنَّ الشعب اليمني يستحق ما هو أفضل من حرب أبدية لا تنتهي. توجيه الهجمات أسهل كثيرًا من تقديم التنازلات وضبط النفس حتى عند التعرض للاستفزاز. تلك اللحظة تمثل اختبارًا للقيادة الحقَّة. أشعر بالانزعاج بسبب الأحداث التي وقعت مؤخرًا، لكننّي تلقيت بعض التطمينات التي تشير إلى وجود روح القيادة التي نرجو. وأملي أن تسود هذه الروح القيادية وأن نرى تجديدًا لالتزام الأطراف بخفض العنف.


* بعد تراكم سنوات من خيبة الأمل.. ما الذي يود المبعوث الخاص قوله للشعب اليمني ونحن في بداية عام جديد؟

- أرجو أن يكون عام 2020 أكثر رفقًا بالشعب اليمني من الأعوام الخمسة الماضية، وأن ينعم اليمنيون بالسلام وكل ما يحمله من عطايا. آمل أن لا أرى يمنيًا واحدًا يختبر مصيبة الفقدان بلا معنى مجددًا. وآمل أن يأتي يَومٌ لا يعرف فيه اليمنيون معنى الجوع، يَومَ يعود الأطفال اليمنيون إلى مدارسهم توَّاقين لمستقبل جديد، يومَ يعود اليمنيون جميعًا للحياة الكريمة الآمنة مرة أخرى.

ليس العالم بغافل عن معاناتكم، ولست أنا غافلاً عن ألمكم. صحيح أنَّ التقدم الذي يتم إحرازه أبطأ مما نود ونرجو جميعًا، إلا أن عزيمتكم وشجاعتكم وحكمتكم في مواجهة نوازل الحرب والفقر والمرض والجوع تلهمني حتى لا أتخلى أبدًا عن أمل تحقق السلام في اليمن في يوم قريب لأنَّ ذلك هو ما يستحقه اليمنيون.


* كان 2019 عام ركود سياسي وجمود في عملية السلام، مع وجود استثناءات بسيطة؛ هل هناك رؤية أممية وخطط لكسر ذلك الجمود ونقل أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات؟

- الانتقال من حالة الحرب إلى مفاوضات السلام هو انتقال صعب للغاية على أي بلد تشهد نزاعًا. والأمر أكثر تعقيدًا في اليمن نظرًا لتعدد الجهات الفاعلة، وبسبب التوترات الإقليمية التي تحيط بهذه الحرب، بالإضافة لتاريخ اليمن الذي شهد الكثير من الاضطرابات. وأتفهم أنَّه من الصعب رؤية اتجاهات إيجابية في ظل الحياة اليومية الصعبة للغاية التي يعيشها اليمنيون. لكنَّ عام 2019 شهد بالفعل تطورات إيجابية عدة، ونسعى الآن للاستفادة من تلك التطورات والبناء عليها لاستئناف عملية السلام في عام 2020.

ومن أمثلة ذلك أنَّنا شهدنا خفضًا ملموسًا في وتيرة الحرب. ما زالت هناك الكثير من العنف على عدة جبهات، لكنَّ المعدل العام للغارات الجوية والهجمات عبر الحدود انخفض كثيراً عما كان عليه سابقًا، وبدأنا نشعر بذلك خاصة في الربع الأخير من عام 2019. وأظهر اتفاق الرياض أن هناك أملاً في تفادي ظهور جبهة قتال جديدة وتحاشي مزيد من التشظي في اليمن في طريقنا نحو محادثات السلام. وكذلك تمت عدد من المبادرات للإفراج عن المحتجزين مما أرسل إشارات إيجابية بأنَّ الأطراف أصبحوا أكثر استعدادًا للوفاء بالالتزامات التي قطعوها على أنفسهم في اتفاقية ستوكهولم. كما يشير الخطاب العام في اليمن والمنطقة إلى أن الجميع أصبحوا أكثر اقتناعًا بارتفاع تكلفة العمل العسكري على مستقبل اليمن.

مع ذلك، لا يزال اليمن يعيش أسوأ كارثة إنسانية في العالم. ويجد اليمنيون أنفسهم مرغمين على تحمل ظروف قاسية من المعاناة تفوق كل التصورات كل يوم. وقد طال أمد ذلك كثيرًا جدًا. والأكثر من ذلك هو أن كل ما أحرزناه من تقدم يبقى هشًا للغاية، وهو ما أثبتته أحداث يوم الأحد الماضي بأكثر الطرق مأساوية.

رؤيتي هي أن ندعم الطرفين في الوصول إلى اتفاقية تتمتع بأقصى حد ممكن من الاتزان والاستدامة، وتُطلِق عملية انتقالية تشمل الجميع وتسمح لليمنيين بمساءلة قادتهم إزاء التزاماتهم، وإعادة إعمار بلادهم ومؤسسات دولتهم، وضمان عدم انزلاقهم في طريق الصراع الأهلي مجددًا.

وهدفي الذي أسعى إليه هذا العام هو أن نطلق عملية السلام بين الطرفين دون أي شروط مُسبَّقة. ذلك هو السبيل الوحيد إذا أردنا أن نرى نهاية لهذا النزاع. إن الوقت المناسب لإتمام ذلك هو الآن وحالاً دون تأخير لدقيقة واحدة. وأعتقد أنَّ الأطراف على دراية تامة بذلك أيضًا.


* يرى الكثير أنه لا يمكن تجاوز اتفاق ستوكهولم دون تنفيذ مخرجاته وبالتالي صارت "ستوكهولم" عقبة أمام أي مفاوضات جديدة.. كيف تنظر أنت إلى هذا الأمر؟


لم يكن القصد من اتفاق الحديدة أبداً أن تكون حلاً شاملاً للنزاع في اليمن، بل تفاوض عليها الأطراف في ستوكهولم تحت عنوان تدابير بناء الثقة. وجاءت الاتفاقية بشكل أساسي لتسد ثغرة إنسانية لتفادي كارثة وشيكة كادت أن تلم بمدينة الحديدة الساحلية. وقد حققت اتفاقية الحديدة ذلك الهدف جزئيًا. ودعني أذكرك أنَّ البديل عن الاتفاق كان التدمير المحتمل للموانئ التي ترفد البلاد بما نسبته 70 بالمائة من المواد المستوردة في بلد يعتمد بنسبة 90 بالمائة على الاستيراد في تأمين السلع الغذائية والأدوية. كلفة هذه المعركة كانت ستكون مدمرة.


تقييمي هو أن الأطراف تدرك الآن أننا بحاجة إلى اتفاق سلام يتعامل مع المسائل الكبيرة المتمثلة في الشرعية والحكم وتنظيم الفترة الانتقالية، حيث سيكون من الصعب للغاية الفصل المسبق في أمور تفصيلية محددة في نزاع بمثل تعقيد النزاع في اليمن. ولكننا لم نتعلم هذا الدرس إلا من خلال أوجه القصور التي واجهتنا في اتفاقية ستوكهولم، حيث كان هذا هو الجانب الأكثر تحديًا في ستوكهولم: وهو محاولة الخوض في التفاصيل بينما بقيت القضايا الأكبر معلقة. نحن الآن نفهم ذلك التحدي بشكل أفضل بفضل اتفاقية ستوكهولم، وجميع الأطراف تعلمت نفس الدرس. وعليه، نحن جميعًا على استعداد للتحرك صوب حل شامل من شأنه أن يجعل التنفيذ الكامل لستوكهولم أسهل بكثير. وفي الوقت نفسه، سيظل مكتبي وبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة ملتزمين بمواصلة العمل مع الأطراف لمساعدتهم على إحراز تقدم في تنفيذ اتفاق الحديدة.


* وُجهت للمبعوث الأممي انتقادات شديدة أواخر العام الفائت وتطابقت تصريحات المعنيين بملف الأسرى في جماعة الحوثيين والحكومة، حيث حملوا السيد غريفيث مسؤولية عدم أحراز أي تقدم.. هل هناك مبادرات جديدة أو خطط لدى الأمم المتحدة لتحريك هذا الملف وممارسة ضغوط على طرفي الصراع من أجل إحراز تقدم فيه؟

- بعد اتفاقية ستوكهولم، سهلت الأمم المتحدة تبادل قوائم المحتجزين وعقد المناقشات فيما يتعلق بإطلاق سراحهم. ومعظم المحتجزين الذين تم إطلاق سراحهم من خلال عدة مبادرات في العام الماضي مشمولين إلى حد كبير في قوائم ستوكهولم. ولكن في نهاية المطاف، تقع مسؤولية إطلاق سراح جميع المحتجزين المرتبطين بالنزاع على الأطراف وفقًا للوعود التي قطعوها على أنفسهم في اتفاقية ستوكهولم، وهي الوعود التي تلتزم بها أطراف النزاع أمام الشعب اليمني بالمرتبة الأولى، وخاصةً أمام آلاف الأسر التي تنتظر لم شملها مع أحبائها.

سوف نستمر في العمل في عام 2020 مع الأطراف حتى يتم الوفاء بهذا الإلتزام بأقصى درجة من العجلة. وكما ذكرت في آخر إحاطة قدمتها إلى مجلس الأمن، فإنني أعتزم عقد اجتماع في أقرب وقت ممكن مع لجنة تبادل المحتجزين التي أنشئت بموجب اتفاقية ستوكهولم.


* هل عملية السلام الشاملة متأثرة حالياً بمدى تنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي.. وكيف سينعكس ذلك على مهمة المبعوث الأممي في حال استمر التعثر في تنفيذه؟

- أعتقد أن كلاً من حكومة اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي يرون قيمة تنفيذ اتفاق الرياض. وأعتقد أنهم يفهمون مدى أهمية تجنب المزيد من التفتت والانقسام في هذه اللحظة الحساسة من تاريخ اليمن. قد لا يتم تنفيذ اتفاق الرياض بالسرعة التي كنا نأملها. ولكني أتمنى بصدق أن يتم تنفيذه بالكامل عاجلاً وليس آجلاً. سيكون الامر مدمرًا لاحتمالات السلام في اليمن إذا انهار اتفاق الرياض. وفي الوقت نفسه، نحن نعمل مع الأطراف لاستئناف العملية السياسية التي تسمح لليمنيين بمعالجة مسألة الجنوب التي طال أمدها بطريقة شفافة وسلمية وتشمل الجميع خلال الفترة الانتقالية.


* دائماً ما تحدث المبعوث الأممي عن الأمل والتفاؤل، وأقر بأنه يبالغ في ذلك، لكنه قال إنه سلاحه للدفع نحو السلام.. هل ما زال الأمل موجود بنهاية الحرب؟

- كيف يمكن أن يكون هناك وسيط للسلام لا يؤمن أن السلام يمكن أن يتحقق؟ إذا كنت لا أرى تأثيرًا للدبلوماسية، وإذا لم أر أن هناك فرصًا حقيقية للسلام في اليمن، وإذا كنت لا أؤمن حقًا برغبة الشعب اليمني في الوصول إلى التماسك الاجتماعي ومستقبل من الوئام والازدهار، فلا ينبغي أن أشغل هذه الوظيفة. البديل عن السلام هو الحرب وانهيار مؤسسات الدولة والمزيد من التشرذم. لقد مرت خمس سنوات من ذلك كله بالفعل. ما الفائدة التي عادت على أي طرف نتيجةً لذلك؟

وأملي هذا له أساس ودلائل على واقعيته. كما ذكرت من قبل، قد يكون من الصعب رؤية التغيرات في المشهد الأكبر عندما تكون حياتك اليومية صعبة للغاية، ولكن المشهد الأكبر يتغير بالفعل. ويبدو التوصل إلى حل سلمي أكثر قابلية للتصديق اليوم بالمقارنة بأي وقت مضى في الأعوام الخمسة الأخيرة. لدينا فرصة سانحة للدفع من أجل بدء المفاوضات، ولكنها فرصة محدودة ومزعزعة. قد يهدد يوم من العنف، كما شهدنا يوم الأحد الماضي، بالقضاء على هذه الفرصة. لكن بدون أمل، لا يمكنك رؤية الفرص من الأصل، فتفوتك دون أن تستفيد منها. لذلك أنا مصمم على بذل كل جهد ممكن لحماية هذه الفرصة حتى تتحول لحظة الأمل هذه إلى مستقبل سلمي لجميع اليمنيين.

 


كلمات دالّة

#اليمن