آخر الاخبار

الرئيسيةكتابات الدكتور/ياسين سعيد نعمانما الذي تعنيه الديمقراطية للشعوب المغلوبة؟

الدكتور/ياسين سعيد نعمان
الدكتور/ياسين سعيد نعمان
عدد المشاهدات : 1,395   
ما الذي تعنيه الديمقراطية للشعوب المغلوبة؟
 

للديمقراطية عند الشعوب المغلوبة التي تعاني من الاستبداد وفوضى الحروب والصراعات معنى يتجاوز نجاح هذا الطرف أو ذاك في الانتخابات، ويتجاوز سياساته.. بتجاوز الأشخاص.. يمعن النظر في طبيعة المؤسسة السياسية وقدرتها على الصمود في وجه تحديات الديمقراطية.

الانتخابات هي محصلة التطور السياسي والثقافي والاجتماعي لأي مجتمع، ونزاهتها تعبر عن قناعة النظام السياسي والقوى السياسية، ونخب المجتمع، والشعب عامة بالديمقراطية؛ أي الاعتراف بحق الشعب في أن يختار من يحكمه باعتباره مالك السلطة ومصدرها.

في تركيا رأينا كيف أن الحاكم والمعارضة ومعهما منظمات المجتمع المدني والشعب خاضوا تجربة ديمقراطية تحت وطأة التاريخ بحاضره المثقل بالمئوية التركية والمستقبل المستبشر بها، أي أن هناك نظام سياسي أخذ يتشكل بقواعد الديمقراطية التعددية، وأصبح، إلى حد كبير، ضامناً لاستمرارها بكل ما يوفره من شروط وديناميات تتصدرها معارضة تمثل ما يقرب من نصف السكان، وهي تجربة صنعها جميع هؤلاء مع اختلاف سياساتهم وتوجهاتهم.

اختلاف، وتنوع، وتعدد؛ منتصر بالشعب ومهزوم بالشعب أمر لا ينتقص من قيمة الأمة بل يضعها في الإطار الصحيح حيث تستمد الصورة بهاءها وجمالها من الألوان التي تشكل تلك الصورة.

ومعه لا بد من النظر إلى هذه العملية من الزاوية التي تعني أن استعادة الشعوب للسلطة، لتصبح مالكها ومصدرها، هو ما يجب التفكير فيه، وأن تتحول هذه التجارب الى مصد إلهام للشعوب المغلوبة على أمرها لا إلى ضجيج التعصب الذي تمارسه النخب لهذا الطرف أو ذاك بحسابات يغفلون فيها خطورة شراك التعصب حينما لا تمكن المرء من رؤية إلا ما يرغب في رؤيته، أو أن يفهم فقط ما لا يتعبه التفكير في قراء محتواه.

في هذه التجارب هناك ما يجب أن نختاره وننحاز إليه وهو: الديمقراطية، لا الفائز في الانتخابات، الفائز حالة متغيرة، لكن الديمقراطية هي منظومة إدارة حياة بكل ما فيها من تناقضات واختلافات حيث الجميع مسئول عن نجاحها باعتبارها مجموعة القواعد الدستورية والقانونية ومنظومة القيم الأخلاقية والثقافية التي تنتظم في إطارها هذه الحياة ومتغيراتها وثوابتها، جميعهم حملوا وطنهم إلى مسار الحرية، وهو المسار الذي لا يمكن لأي قوة أن تجرهم إلى خارجه سوى تلك التي لا تربط هذه العمليات التاريخية بنضوج أسبابها الموضوعية، وإنما بالطارئ الذي تعتقد أن بقاءها مرهون به.. وفي مثل هذا الاعتقاد تتجلى مأساة أمم خسرت الفرصة بانتظار الاستثنائي، أو الرمز أو المهدي.